اقرار الحريري بشهود الزور وخطأ اتهام سوريا خطوة.. فهل يتبعها خطوات؟؟

رغم كثرة التحليلات والتعليقات التي أعقبت اقرار رئيس الحكومة سعد الحريري مؤخراً بوجود شهود زور ضللوا التحقيق في قضية اغتيال والده رفيق الحريري، واعترافه بارتكاب أخطاء والتسرّع باتهام سوريا، الا أنها جميعها أجمعت على أن خطوة الحريري هذه لم تكن خطوة "عابرة" أو "عبثية" دون مغزى وأهداف حقيقية. هذه التحليلات وان اختلفت في قراءة أبعاد خطوة الحريري، لكونها أتت عقب إصرار فريقه السياسي على اتهام سوريا وانكاره لوجود شهود زور ضللوا التحقيق على مدى سنوات خلت، لم تمنع من طرح الأسئلة حول خلفيات هذه الخطوة في هذا التوقيت بالذات، وعن كيفية انعكاس مفاعيلها مستقبلاً على قضية المحكمة الدولية والقرار الظني المرتقب صدوره والذي يقال أنه سيوجه الاتهام لحزب الله باغتيال الحريري؟، فضلاً عن مفاعيله الرجعية على كل المرحلة السابقة بما شهدته من اتهام سياسي لسوريا بالاغتيال، وتوقيف الضباط اللبنانيين الأربعة في السجون مع ما لحق بهم من أذى شخصي، نال من حياتهم المهنية والمستقبلية دون وجه حق؟.

*مفاعيل اقرار الحريري وارتداداته على فريق 14 اذار
كلام الحريري هذا وان لقي ارتياحاً نسبياً لدى جمهور وأوساط المعارضة الوطنية وشكل رسالة ايجابية ترددت بعض أصداؤها في دمشق، الا أنه في المقابل شكّل صدمة كبيرة لنواب تيار "المستقبل"، وعلى رأسهم رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة وفريقه السياسي الذين لم يستطيعوا هضم هذه الخطوة التراجعية للحريري، ووصفوها بأنها خدمة مجانية قدمت على طبق من ذهب للمعارضة الوطنية، فيما كان بالإمكان بنظرهم إخضاعها للبازار ومقايضتها سياسياً.
ولأن المتضررون كثر والمتواطئون أكثر، كان لإقرار الحريري أيضاً وقعاً كوقع الصاعقة على حلفائه في 14 أذار الذين كانوا لا يزالون حتى الأمس القريب ينفون وجود شهود زور ويصرّون على هذا النفي، حتى ذهب البعض منهم إلى حد إيجاد المبررات والحيثيات القانونية لعدم توصيف من ضلل التحقيق بتهمة جريمة شهادة الزور، كما انهم كانوا ولا يزالون يراهنون على اتهام سوريا باغتيال الحريري وهو ما زلّ لسان النائب نديم الجميل فيه مؤخراً.
الا ان اللافت أن إقرار الحريري هذا والذي جاء في حديث لصحيفة "الشرق الأوسط" السعودية مع ما يحمل ذلك من دلالات تأييد ومباركة سعودية لهذا الموقف، تخطى سقف موقف المدعي العام للمحكمة الدولية دانيال بلمار الذي قال مطلع الشهر الحالي انه لم يسم هؤلاء يوماً بشهود الزور، كما أنه استبق في توقيته صدور تقرير وزير العدل بشأن هؤلاء الشهود، ما من شأنه بلا شك أن يترك مفاعيله وتداعياته على التقرير الذي سيعده الوزير نجار، كونه لم يعد مقبولاً على الإطلاق أن يكون سقف هذا التقرير أقل من إقرار الحريري، بل من المفترض أن ينطلق وزير العدل في تقريره من هذا الإقرار لإيجاد الآليات العملية لمحاسبة ومحاكمة هؤلاء الشهود.
وفي هذا السياق، فقد توزعت القراءات في مضامين إقرار الحريري الأخير فأكثرها تفاؤلاً، وجد أن تصريح الأخير يحمل في طياته رغبة بإصلاح الاعوجاج الذي شاب عمل التحقيق والمحكمة الدولية خلال مرحلة الاتهام السياسي لسوريا، وأنه نابع من مراجعة حقيقية للمرحلة السابقة استفادت من أخطاء الماضي لتؤسس لما يمكن البناء عليه فعلياً. أما أكثر القراءات تشاؤماً، فرأت أن كلام الحريري يندرج في خانة وضع حد فاصل بين مرحلة الاتهام السياسي لسوريا والمرحلة التي ستقبل عليها المحكمة الدولية بإصدار قرار ظني ضد حزب الله، وذلك في محاولة لكسب الوقت وإعطاء المحكمة براءة ذمة عمّا ارتكبه المحققون الدوليون من انحرافات وإساءات بغية إثبات صدقيتها بعد تخليصها من الدرائن والشوائب الكبيرة التي اعترضنها خلال المرحلة السابقة، ما يجعل من الصعب نعتها لاحقاً بعدم الصدقية وبالخضوع للتسييس. كما رأت هذه القراءة في مضامين إقرار الحريري انه وان بدا ايجابياً في الظاهر للوهلة الأولى، الا أنه يشتم منه محاولة لإنقاذ سفينة المحكمة من الغرق بركابها من خلال إلقاء حمولتها الثقيلة المتمثلة بالاتهام السياسي لسوريا وملف شهود الزور قبل فوات الأوان. هذا مع الإشارة الى أن آخرين اعتبروا ان خطوة الحريري وان أتت متأخرة بعض الشيء غير أنها تندرج في إطار جدول أعمال متفق عليه مسبقاً مع القيادة السورية.
أما أبرز مفاعيل تصريح الرئيس الحريري لصحيفة "الشرق الأوسط " واعترافه بشهود الزور والخطأ باتهام سوريا، فهو أنه شكل إقراراً صريحاً من "ولي الدم" بتسييس التحقيق الدولي والمحكمة الدولية خلال المرحلة الماضية. ما طرح علامات استفهام كبرى، حول ما اذا كان يكفي هذا الكلام لإقفال صفحة سوداء من تاريخ لبنان، كادت أن تحرق البلد وتأتي على الأخضر واليابس فيه، وهو ما يطرح سؤالاً جوهرياً وهو ألا تتطلب جرأة الإقرار التي تحلّى بها الرئيس الحريري حين أقر بأخطاء فريقه، شجاعة الإقدام على خطوات فعلية لمعالجة ذيول المرحلة الماضية ورفع المظالم عمّن لحقت بهم من دون استثناء أحد؟. ثم من يضمن ألا يعاد تكرار السيناريو ذاته الذي جرى مع سوريا مع جهات أخرى داخلية أو خارجية، ثم يأتي من يقول بعد خمس سنوات أخطانا أعذرونا وكفى ؟؟ وهل سيكون حينها قد بقي بلد أم أن الآوان سيكون قد فات، حين لا ينفع البكاء على الأطلال؟؟.
مهما يكن من أمر فان تصريح الحريري لا يخلو من مفاعيل ايجابية، خصوصاً وأنه يؤسس لإيجاد مرتكزات يمكن البناء عليها مع الأطراف الأخرى، الا أن ذلك يقتضي خطوات عملية وترجمة فعلية على الأرض كي لا يبقى ذلك مجرد كلام في الهواء الطلق لتطييب الخواطر أو تقطيع الوقت وهو ما يفترض متابعة جدية لهذا الملف الحساس والدقيق خلال المرحلة القادمة.

أصداء خطاب الحريري في دمشق
وفي سياق استنباط رد الفعل السوري حيال تصريحات الحريري، لفت أستاذ القانون الدولي في جامعة دمشق والباحث والمحلل السياسي الدكتور ابراهيم الدراجي، الذي تابع ملف شهود الزور خلال كل مراحله السابقة الى أن "الموقف السوري بشأن قضية شهود الزور كان واضحاً ومعروفاً من البداية ومنذ فترة طويلة"، موضحاً أنه "ينبغي فتح هذا الملف قانونياً ورفع الغطاء السياسي عمّن يقف وراءه، وكشف الحقيقة حول من حرّض وموّل ولقن وأساء للعلاقات بين البلدين، مما ترتّب عليه ليس فقط الإساءة للعلاقات السياسية، وإنما تسبب بمقتل عشرات العمال السوريين طوال الفترة الماضية ضمن مناخ الكراهية والاتهام الذي أثاره بعض اللبنانيين"، وأضاف "لذلك فان سوريا تعتبر أن فتح هذا الملف وفق الأصول القانونية والقضائية هو أمر هام وضرورة لازمة لكشف الحقيقة في قضية اغتيال الرئيس الحريري".
من جهة أخرى، وصف الدكتور الدراجي كلام رئيس الحكومة سعد الحريري لصحيفة "الشرق الأوسط" بأنه خطوة أولية ينبغي أن يتم تفعيلها، مشيراً الى أنه "لا يكفي أن يتم الحديث عن شهود الزور، والإشارة إلى أنهم أساؤوا للعلاقات بين البلدين، فهذه حقائق معروفة ينبغي أن يليها نتائج وخطوات لاحقة تترتّب على تصريح الرئيس الحريري بغية ضمان الملاحقة والمعاقبة وكشف المستور".
وإذ وصف الدراجي إقرار الحريري بأنه "خطوة ايجابية بحد ذاتها"، أضاف انه "ينبغي أن تتبعها خطوات ليس من باب الاشتراط، وإنما في ضوء السياق الطبيعي للأمور، لأنه بالمفهوم الطبيعي والمنطقي للأمور عندما تحصل جريمة ما، هنالك آثار ينبغي أن تترتب عليها لأن الحق لا يعود لأصحابه لوحده".
وأضاف الدراجي، قائلاً: "ان الوضع الطبيعي والمنطقي للأمور هو أن تكون هناك خطوات لاحقة لأن الإقرار بوجود شهود الزور ليس غاية بحد ذاته، إنما هو وسيلة لتحقيق غاية أعمق وأسمى، وهي كشف الحقيقة التي كثيراً ما تم الحديث عنها".
وفي سياق متصل، توقع الدراجي أن يكون هناك اتصالات سعودية - سورية من أجل تثبيت التهدئة في لبنان بعد مرحلة التجاذب السياسي والإعلامي الذي شهدته الساحة الداخلية في الآونة الأخيرة.

كلام الحريري لا بد منه ويسهم بتصحيح مرحلة خاطئة
بدورها، اعتبرت مصادر قانونية وسياسية لبنانية متابعة في حديثها لموقع "المنار" الألكتروني أنه كان لا بد من كلام الحريري المشار اليه، لافتة الى أنه يسهم في تصحيح مرحلة ساد فيها الخطأ بالاتهام السياسي لسوريا، مع ما ترتب على ذلك من ذيول شبه كارثية، فضلاً عن إساءات طالت حرية الضباط الأربعة، الذين سجنوا على مدى ثلاث سنوات وثمانية أشهر بسبب تهمة باطلة استندت إلى عمل شهود الزور ومضللي التحقيق.
وفيما توقفت المصادر عند ما أسمته "بدعة الاتهام السياسي"، التي أشارت إلى أنها أصبحت من الأخطاء الشائعة أصرت على تصويب هذا الخطأ، موضحة أنه لا شيء في علم القانون اسمه "اتهام سياسي"، وليس هناك أي نص قانوني يقول " إذا شخص اتهم شخص آخر أو جماعة سياسياً بجريمة اغتيال يعاقب".
ورأت المصادر أن هناك جريمتين ارتكبتا خلال المرحلة الماضية، الأولى هي جريمة شهادة الزور بغاية تضليل التحقيق، أما الجريمة الثانية فهي جريمة الافتراء واختلاق الجرائم، مشيرة الى أن هاتين الجريمتين وقعتا على الأراضي اللبنانية وبالتالي فان القضاء اللبناني ملزم بأن يتعاطى معهما على هذا الأساس.
وتوقفت المصادر عند احالة قضية شهود الزور الى وزير العدل ابراهيم نجار، موضحة أنه اذا كانت المحكمة الدولية وضعت قانونها الخاص، واعتبرت أنه لا علاقة لها بشهود الزور وأنها غير صالحة للنظر بهذه الجريمة، فان ذلك لا ينفي أن هناك جرماً أرتكب، وأن الجريمة وقعت داخل الأراضي اللبنانية، وبالتالي فان الاختصاص في هذه الجريمة يعود حكماً للقضاء اللبناني الذي عليه أن يلاحق شهود الزور ويحاسبهم.

» مبارك أبلغ شيراك باتهامه دمشق في اغتيال الحريري .. كتاب فرنسي يكشف عن صفقة أميركية فرنسية حيكت لإضعاف سوريا
» أصغر عروسين في سوريا
» صور لمعالم أثرية في سوريا
» لتحريضها على الفتنة: سوريا تمنع تداول رواية سيد الهاوما